في زمن الحروب، تشتدّ الصراعات وتتعقّد الأزمات، فيُصبح الإعلام سلاحاً ذا حدَّين، إذ تُستخدم المعلومات الزائفة لتوجيه الرأي العام وتشويه الحقائق، ممّا يتطلّب فهماً عميقاً لأساليب مكافحة هذه الظاهرة. تعكس التحدّيات المتمثلة في الأخبار المضلّلة خلال النزاعات المسلّحة تأثيراً مباشراً على المدنيِّين والصحافيِّين على حَدٍّ سواء، ممّا يعزِّز الفوضى ويُشوِّش الحقائق.
الإعلام كأداة في زمن الحرب
يلعب الإعلام دوراً أساساً في تشكيل الرأي العام خلال فترات الحرب، إذ يُستخدم كوسيلة لتعزيز الروح الوطنية وتوجيه الرسائل السياسية. غالباً ما تسعى الحكومات إلى تسويق رواياتها الخاصة، على غرار الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، محاولةً توحيد الشعب حول أهداف وطنية مشتركة.
هذه الاستراتيجية تؤدّي إلى خلق تصوّرات مُبسّطة للأخلاق بين الأطراف المتنازعة، ممّا يزيد من الاحتقان ويعزّز النزاعات. تاريخياً، شهدت الحروب استخداماً مكثفاً للدعاية، كما في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والآن على لبنان، إذ تتولّى الحكومة الإسرائيلية السيطرة على المعلومات المتاحة للجمهور من خلال الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام.
انتشار الأخبار المزيفة
تُعتبر الأخبار المزيّفة واحدة من أبرز التحدّيات التي تواجه الإعلام في زمن الحرب. وتشير الدراسات إلى أنّ حوالى 23% من البالغين في بعض الدول شاركوا أخباراً مزيفة، سواء عن علم أو من دون علم.
هذه المعلومات الكاذبة تُنشر عمداً لتضليل الجمهور، وغالباً ما تُستخدم لأغراض سياسية أو اقتصادية. ويمكن أن تؤثّر الأخبار المزيّفة على سلوك الأفراد وتشكيل آرائهم حول القضايا السياسية والاجتماعية.
فخلال الانتخابات الأميركية لعام 2016، كانت المعلومات الكاذبة تلعب دوراً في التأثير على الناخبين، ممّا يُبرز أهمية وجود استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذه الظاهرة.
وكذلك، اعتمدت الدعاية الإسرائيلية على أخبار كاذبة تتهم مسلّحي «حماس» بقتل وحرق الأطفال واختطاف النساء في هجوم السابع من تشرين، على المستوطنات الإسرائيلية، لكن لم يتمكّن أي مصدر من التحقق منها وإثبات هذه الادّعاءات. فتبيّن أخيراً أنّها ليست سوى دعاية سياسية-عسكرية إسرائيلية لتبرير حرب الإبادة في القطاع الفلسطيني.
تأثير المعلومات المضلّلة في أوقات الحروب
تزايدت حِدّة المعلومات المضلّلة خلال الحروب الأخيرة، كما هو الحال في النزاع بين العدو الإسرائيلي وفلسطين. فشهدت وسائل التواصل الاجتماعي انتشار مواد مزيّفة، مثل مقاطع الفيديو التي ادّعت أنّها توثّق هجمات عسكرية، لكن تبيّن لاحقاً أنّها مأخوذة من ألعاب فيديو مثل «Arma 3». هذا النوع من التضليل يعكس كيف يمكن للمعلومات الزائفة أن تؤثّر بشكل كبير على الرأي العام وتزيد من التوترات بين الجماهير المتأثرة بالنزاع.
دور الصحافيِّين في مواجهة التضليل
مع تزايد وتيرة انتشار الأخبار المضلّلة، يُصبح دور الصحافيِّين أساسياً في التحقيق والتقصي. المنصات الرقمية توفّر سرعة الوصول إلى المعلومات، لكنّها أيضاً تمنح الجميع القدرة على نشر المحتوى من دون رقابة كافية. لذا، من الضروري أن يستخدم الصحافيّون أدوات متقدّمة للتحقّق من المعلومات المتداولة.
إحدى الأساليب الفعّالة هو التحقّق من صحة الفيديوهات والصور باستخدام أدوات مثل Google Reverse Image وTinEye، التي تمكّنهم من فحص مصدر الصورة وتاريخ نشرها الأصلي. كما أنّ التعاون مع المؤسسات التقنية المتخصِّصة، مثل مختبرات التحقّق في وكالات الأنباء العالمية، أصبح أيضاً أسلوباً مهمّاً لتحديد الحقيقة بسرعة وفعالية. على سبيل المثال، خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، تفاعل الصحافيّون مع المعلومات الكاذبة التي انتشرت خلال الحرب، ممّا تطلّب منهم التعامل مع المحتويات بدقة وحذر قبل نشرها.
تكنولوجيا التحقق من المعلومات
مع انتشار سَيل المعلومات المتدفّقة عبر وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، يعتمد الصحافيّون والمدنيّون على مجموعة متنوّعة من الأدوات للتحقق من الأخبار، الصور، والفيديوهات.
وتشمل هذه الأدوات:
- Google Reverse Image Search: أداة أساسية للتحقّق من الصور من خلال مطابقتها مع صور سابقة منشورة على الإنترنت.
- InVID وWeVerify: أداتان لفحص الفيديوهات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي وكشف أيّ تلاعب محتمل بها.
- Snopes وFactCheck.org: يوفّر هذان الموقعان تحقيقات معمّقة حول الأخبار والشائعات الرائجة، خصوصاً المرتبطة بالصراعات والأزمات.
- Bellingcat: تُعتبر هذه المنصة نموذجاً للتحقيقات الرقمية التي تجمع بين التحليل الجغرافي وتقنيات مفتوحة المصدر للتحقّق من الأحداث.
مواجهة التضليل بين المدنيِّين
إلى جانب الجهود الإعلامية، يتحمّل المدنيّون مسؤولية حماية أنفسهم من الوقوع في فخ المعلومات المضلّلة. ويجب عليهم التشكيك في صحة الأخبار قبل تصديقها أو إعادة نشرها، والاعتماد على مصادر موثوقة.
كما أنّ استخدام أدوات التحقّق المتاحة على الإنترنت يُعتبر جزءاً من المساعي الفردية لمكافحة التضليل. وتُعتبر حملات التوعية التي يجب على الحكومات والمنظمات غير الحكومية تنظيمها حول مخاطر المعلومات المضلّلة، أمراً ضرورياً. كما أنّ تشجيع المواطنين على التفكير النقدي والمستقل، ونشر الوعي بكيفية التفريق بين الأخبار الزائفة والمصادر المعتمدة، يُعَدّ أساسياً.
التحدّيات التي تواجه الإعلام
أحد أبرز التحدّيات التي تواجه الإعلام اليوم هو سرعة انتشار الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفقاً لدراسة أجراها «معهد رويترز» للصحافة، أصبح المستخدمون يعتمدون بشكل متزايد على المنصات الرقمية كمصدر رئيسي للأخبار، ما يزيد من تعقيد عملية التحقق من صحتها.
ويُسهم الانقسام السياسي في تعزيز الشكوك حول صدقية وسائل الإعلام التقليدية، إذ أظهرت استطلاعات رأي تراجعاً كبيراً في الثقة بالإعلام، خصوصاً بين الأطراف السياسية.
الحلول المستقبلية والتوصيات
على الرغم من الجهود المبذولة من قِبل الصحافيِّين والمدنيِّين، يبقى التحدّي الأكبر هو مواكبة السرعة الفائقة التي تنتشر فيها المعلومات المضلّلة. لذا، يقترح العديد من الخبراء أهمية إدخال تشريعات أقوى لمكافحة الأخبار الكاذبة خلال النزاعات، مع ضرورة فرض مسؤولية على منصات التواصل الاجتماعي لضمان تطبيق معايير دقيقة في التحقق من المعلومات قبل نشرها.
توصيات لمكافحة المعلومات الزائفة:
التدريب الإعلامي: من الضروري تعزيز مهارات التحقق من الأخبار لدى الجمهور، بما في ذلك فهم كيفية تحديد المصادر الموثوقة وتمييز الأخبار الزائفة.
التعاون بين الصحافة والمجتمع المدني: يجب أن تعمل وسائل الإعلام بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية لتقديم تقارير دقيقة والتحقق من المعلومات.
التكنولوجيا المتقدّمة: تبنّي التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، للكشف عن الأخبار المزيّفة بشكل أسرع وأكثر دقة.
في الختام، يظل دور الإعلام خلال الحروب يتجاوز مجرّد نقل المعلومات، ليصبح أداة مؤثّرة في تشكيل الرأي العام وبناء الهوية الوطنية. ومع تصاعد انتشار الأخبار المزيّفة، تصبح الحاجة إلى صحافة مسؤولة ومؤسسات قوية لمكافحة التضليل أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ويتطلّب ذلك تعاوناً جاداً بين مختلف القطاعات لضمان توفير معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور، ممّا يُسهِم في استقرار المجتمع خلال الأوقات الصعبة.
وتلعب الصحافة والتكنولوجيا دوراً حيوياً في مواجهة المعلومات الزائفة، ومع استمرار تطوّر وسائل الإعلام وتغيّر طبيعة استهلاك الأخبار، تصبح أدوات التحقّق من المعلومات أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكذلك على كل شخص أن يَعي مسؤولية التحقّق من الأخبار قبل نشرها.
يقترح العديد من الخبراء أهمية إدخال تشريعات أقوى لمكافحة الأخبار الكاذبة خلال النزاعات، مع ضرورة فرض مسؤولية على منصات التواصل الاجتماعي لضمان تطبيق معايير دقيقة في التحقق من المعلومات قبل نشرها.